الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: روضة الطالبين وعمدة المفتين **
موجباته أربعة. الأول الموت ويأتي في الجنائز إن شاء الله تعالى. والثاني الحيض ثم وجوبه بخروج الدم أم بانقطاعه أم الخروج موجب عند الانقطاع فيه أوجه أصحها الثالث والنفاس كالحيض في الغسل ومعظم الأحكام. والرابع الجنابة وهي بأمرين الجماع والإنزال أما الجماع فتغييب قدر الحشفة في أي فرج كان سواء غيب في فرج امرأة أو بهيمة أو دبرهما أو دبر رجل أو خنثى صغير أو كبير حي أو ميت ويجب على المرأة بأي ذكر دخل فرجها حتى ذكر البهيمة والميت والصبي وعلى الرجل المولج في دبره ولا يجب إعادة غسل الميت المولج فيه على الأصح. قلت ويصير الصبي والمجنون المولجان أو المولج فيهما جنبين بلا خلاف فإن اغتسل الصبي وهو مميز صح غسله ولا يجب إعادته إذا بلغ ومن كمل منهما قبل الاغتسال وجب عليه الغسل وعلى الولي أن يأمر الصبي المميز بالغسل في الحال كما يأمره بالوضوء والله أعلم. هذا كله إذا غيب قدر الحشفة فإن غيب دونها لم يتعلق به حكم على الصحيح ولنا وجه أن تغييب قدر الحشفة من مقطوعها لا يوجب الغسل وإنما يوجبه تغييب جميع الباقي إن كان قدر الحشفة فصاعدا. قلت هذا الوجه مشهور وهو الراجح عند كثير من العراقيين ونقله صاحب الحاوي عن نص الشافعي رحمه الله ولكن الأول أصح والله أعلم. ولو لف على ذكره خرقة فأولجه وجب الغسل على أصح الأوجه ولا يجب في الثاني والثالث إن كانت الخرقة خشنة وهي التي تمنع وصول بلل الفرج إلى الذكر وتمنع وصول الحرارة قلت قال صاحب البحر وتجري هذه الأوجه في إفساد الحج به وينبغي أن تجري في جميع الأحكام والله أعلم. فرع ولو أولج خنثى في فرج خنثى أو دبره أو أولج كل فرج صاحبه أو دبره فلا غسل ولا وضوء على أحد إلا من نزع الذكر من دبره فعليه الوضوء لخروج خارج من دبره. قلت وكذا إذا نزع من قبله وقلنا المنفتح تحت المعدة ينتقض الخارج منه مع انفتاح الأصلي والله أعلم. ولو أولج الخنثى في بهيمة أو امرأة أو دبر رجل فلا غسل على أحد وعلى المرأة الوضوء بالنزع منها وكذلك الوضوء على الخنثى والرجل المولج فيه ولو أولج رجل في فرج خنثى فلا غسل ولا وضوء عليهما لاحتمال أنه رجل ولو أولج رجل في فرج خنثى والخنثى في فرج امرأة فالخنثى جنب والرجل والمرأة غير جنبين وعلى المرأة الوضوء بالنزع منها. قلت إذا أولج ذكرا أشل وجب عليهما الغسل على المذهب ولو استدخلت ذكرا مقطوعا فوجهان كمسه ولو كان لرجل ذكران يبول بهما فأولج أحدهما وجب الغسل ولو كان يبول الأمر الثاني الجنابة بإنزال المني وسواء خرج من المخرج المعتاد أو ثقبة في الصلب أو الخصية على المذهب وقيل الخارج من غير المعتاد له حكم المنفتح المذكور في باب الأحداث فيعود فيه الخلاف والتفصيل والصلب هنا كالمعدة هناك ثم للمني خواص ثلاث. أحدها رائحة كرائحة العجين والطلع رطبا وكرائحة بياض البيض يابسا. الثانية التدفق بدفعات. الثالثة التلذذ بخروجه واستعقابه فتور الذكر وانكسار الشهوة ولا يشترط اجتماع الخواص بل واحدة منهن تكفي في كونه منيا بلا خلاف وله صفات أخر كالبياض والثخانة في مني الرجل والرقة والإصفرار في مني المرأة في حال الاعتدال وليست هذه الصفات من خواصه فعدمها لا ينفيه ووجودها لا يقتضيه فلو زالت الثخانة والبياض لمرض أو خرج على لون الدم لكثرة الجماع وجب الغسل اعتمادا على بعض الخواص. وحكي وجه أنه لا يجب بها على لون الدم وهو شاذ ولو تنبه من نومه فلم ير إلا الثخانة والبياض فلا غسل لأن الودي يشارك المني فيهما بل يتخير بين جعله منيا ومذيا على ظاهر المذهب وفيه الخلاف السابق في آخر صفة الوضوء فإن قلنا بالمذهب فغلب على ظنه المني لكون المذي لا يليق بحاله أو لتذكر جماع قال إمام الحرمين يحتمل أن تستصحب الطهارة وأن يحمل على الظن والاحتمال الأول مقتضى كلام معظم الأصحاب ولو أنزل فاغتسل ثم خرجت بقية المني وجب الغسل ثانيا قطعا سواء خرجت قبل البول أو بعده. فرع المرأة كالرجل في وجوب الغسل بخروج منيها قال إمام الحرمين والغزالي لا تعرف منيها إلا بالتلذذ وقال الأكثرون تصريحا وتعريضا يطرد في معرفة منيها الخواص الثلاث كالرجل ولو اغتسلت من جماع ثم خرج منها مني الرجل لزمها الغسل على المذهب بشرطين أحدهما أن تكون ذات شهوة دون الصغيرة والثاني أن تقضي شهوتها بذلك الجماع كنائمة ومكرهة فإن اختل شرط لم يجب الغسل قطعا. فرع إذا استدخلت منيا في قبلها أو دبرها لم يلزمها الغسل على المذهب. فرع لا يجب الغسل من غسل الميت على الجديد المشهور ولا بجنون على المذهب. قلت لو رأى المني في ثوبه أو فراش لا ينام فيه غيره ولم يذكر احتلاما لزمه الغسل على الصحيح المنصوص وبه قطع الجمهور قال أصحابنا ويجب إعادة كل صلاة لا يحتمل حدوث المني بعدها ويستحب إعادة كل صلاة يحتمل كونه فيها ثم إن الشافعي والأصحاب أطلقوا المسألة وقال الماوردي هذا إذا رأى المني في باطن الثوب فإن رآه في ظاهره فلا غسل لاحتمال إصابته من غيره وإن كان ينام معه في الفراش من يجوز كون المني منه لم يلزمه الغسل ويستحب أن يغتسلا ولو أحس بانتقال المني ونزوله فأمسك ذكره فلم يخرج منه شيء في الحال ولا علم خروجه بعده فلا غسل عندنا والله أعلم.
يحرم على الجنب ما يحرم على المحدث وشيئآن قراءة القرآن واللبث في المسجد فأما القرآن فيحرم وإن كان بعض آية على قصد القرآن فلو لم يجد الجنب ماء ولا ترابا فهل يباح له قراءة الفاتحة في صلاته وجهان الأصح يحرم كما يحرم ما زاد عليها قطعا ويأتي بالتسبيح الذي يأتي به من لا يحسن القراءة لأنه عاجز شرعا. قلت الأصح الذي قطع به جماهير العراقيين أنه يجب عليه قراءة الفاتحة لأنه مضطر إليها والله أعلم. ولو قرأ شيئا منه ولم يقصد القرآن جاز كقوله بسم الله والحمد لله أو قال سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين على قصد سنة الركوب ولو جرى هذا على لسانه ولم يقصد قرآنا ولا ذكرا جاز ويحرم على الحائض والنفساء ما يحرم على الجنب من القراءة على المذهب وأثبت جماعة من المحققين قولا قديما أنها لا تحرم. قلت ولو كان غير الجنب والحائض نجسا ففي تحريم القراءة عليه وجهان الأصح يكره ولا يحرم ولا تكره القراءة في الحمام ويجوز للحائض والجنب قراءة ما يستحب تلاوته والله أعلم. وأما اللبث في المسجد فحرام على الجنب ولا يحرم عليه العبور لكن يكره إلا لغرض بأن يكون المسجد طريقه إلى مقصده أو أقرب الطريقين إليه وفي وجه إنما يجوز العبور إذا لم يكن طريق سواه وليس بشيء ويحرم التردد في جوانبه فإنه كالمكث ويجوز المكث للضرورة بأن نام في المسجد فاحتلم ولم يمكن الخروج لإغلاق الباب أو خوف العسس أو غيره على النفس أو المال ويجب أن يتيمم إن وجد غير تراب المسجد ولا يتيمم بترابه. قلت يجوز لغير الجنب والحائض النوم في المسجد نص عليه الشافعي في الأم والأصحاب رحمهم الله ولو احتلم في مسجد له بابان أحدهما أقرب فالأولى أن يخرج منه فإن عدل إلى آخر لغرض لم فرع فضل ماء الجنب والحائض طهور لا كراهة في استعماله ويجوز للجنب أن يجامع وأن ينام ويأكل ويشرب لكن يسن أن لا يفعل شيئا من ذلك إلا بعد غسل فرجه والوضوء. قلت قال أصحابنا لا يستحب هذا الوضوء و كذا غسل الفرض للحائض والنفساء لأنه لا يفيد فإذا انقطع دمها صارت كالجنب والله أعلم.
أقله شيئان: أحدهما النية وهي واجبة وتقدم ذكر فروعها في صفة الوضوء ولا يجوز أن يتأخر عن أول الغسل المفروض فإن اقترنت به كفى ولا ثواب له في السنن المتقدمة وإن تقدمت على المفروض وعزبت قبله فوجهان كما في الوضوء ثم إن نوى رفع الجنابة أو رفع الحدث عن جميع البدن أو نوت الحائض رفع حدث الحيض صح الغسل وإن نوى رفع الحدث ولم يتعرض للجنابة ولا غيرها صح غسله على الأصح ولو نوى رفع الحدث الأصغر متعمدا لم يصح غسله على الأصح وإن غلط فظن حدثه الأصغر لم ترتفع الجنابة عن غير أعضاء الوضوء وفي أعضاء الوضوء وجهان أحدهما لا يرتفع وأصحهما يرتفع عن الوجه واليدين والرجلين دون الرأس على الأصح ولو نوى استباحة ما يتوقف عن الغسل كالصلاة والطواف وقراءة القرآن أجزأه ولو نوت الحائض استباحة الوطء صح على الأصح وإن نوى ما لا يستحب له الغسل لم يصح وإن نوى ما يستحب له كالعبور في المسجد والأذان وغسل الجمعة والعيد لم يجزه على الأصح كما سبق في الوضوء ولو نوى الغسل المفروض أو فريضة الغسل أجزأه قطعا. الثاني استيعاب جميع البدن بالغسل ومن ذلك ما ظهر من صماخي الأذنين والشقوق في البدن وكذا ما تحت القلفة من الأقلف وما ظهر من أنف المجدوع على الأصح فيهما وكذا ما يبدو من الثيب إذا قعدت لقضاء الحاجة على أصح الأوجه وعلى الثاني لا يجب غسل ما وراء ملتقى الشفرين وعلى الثالث يجب في غسل الحيض والنفاس خاصة لإزالة دمهما ولا يجب ما وراء ما ذكرناه قطعا ولا المضمضة والاستنشاق ويجب إيصال الماء إلى جميع الشعور على البشرة وإلى منابتها وإن كثفت ولا يجب غسل شعر نبت في العين ويسامح ببطن العقد التي على الشعرات على الأصح وعلى وجه يجب قطعها. قلت هذا الذي صححه هو الذي صححه صاحب البحر والصحيح أنه لا يعفى عنه لأنه يمكن قطعها بلا خلاف وهو ظاهر نص الشافعي والجمهور وقد أوضحته في شرح المهذب والله ويجب نقض الظفائر إن لم يصل الماء إلى باطنها إلا بالنقض ولا يجب إن وصل. أما أكمل الغسل فيحصل بأمور الأول أن يغسل ما على بدنه من أذى أولا كالمني ونحوه من القذر الطاهر وكذا النجس وتقديم إزالة النجاسة شرط لصحة الغسل فلو غسل غسلة واحدة بنية الحدث والنجس طهر عن النجس ولا يطهر عن الحدث على المذهب. قلت الأصح أنه يطهر عن الحدث أيضاً وقد تقدم والله أعلم. وإذا قلنا الغسلة الواحدة تكفي عن الحدث والنجس كان تقديم إزالة النجاسة من الكمال وإن قلنا لا يكفي لم تكن الإزالة من الكمال ولا من الأركان بل تكون شرطا خلافا لكثير من أصحابنا حيث قالوا واجبات الغسل ثلاثة غسل النجاسة إن كانت والنية والاستيعاب الثاني أن يتوضأ كما يتوضأ للصلاة وتحصل سنة الوضوء سواء أخر غسل القدمين إلى الفراغ أو فعله بعد مسح الرأس والأذن وأيهما أفضل قولان المشهور أنه لا يؤخر ثم إن تجردت الجنابة عن الحدث فالوضوء مندوب وإن اجتمعا فقد قدمنا في آخر باب صفة الوضوء الخلاف في اندراجه في الغسل فإن قلنا بالمذهب أنه يندرج فالوضوء مندوب ويعد من سنن الغسل وإن أوجبنا الوضوء امتنع عده من سنن الغسل فإنه لا صائر إلى أنه يأتي بوضوءين بل يقتصر على وضوء فإن شاء قدمه على الغسل وإن شاء أخره وعلى هذا لا بد من إفراد الوضوء بالنية قلت المختار أنه إن تجردت الجنابة نوى بوضوئه سنة الغسل وإن اجتمعا نوى به رفع الحدث الأصغر والله أعلم. واعلم أنه يتصور تجرد الجنابة في صور منها أن يولج في بهيمة أو دبر رجل ومنها أن يلف على ذكره خرقة ويولجه وإذا قلنا إنه يجب الغسل. ومنها إذا أنزل المتوضىء المني بنظر أو فكر أو في النوم قاعدا وأما جماع المرأة بلا حائل فيقع به الحدثان على الصحيح وقيل تقتضي الجنابة فقط ويكون اللمس مغمورا. الثالث أن تتعهد مواضع الانعطاف والالتواء كالأذنين وغضون البطن ومنابت الشعر ويخلل أصول الشعر بالماء قبل إفاضته. الرابع يفيض الماء على رأسه ثم على شقه الأيمن ثم الأيسر ويكون لأغسل جميع البدن ثلاثا كالوضوء فإن اغتسل في نهر ونحوه انغمس ثلاث مرات ويدلك في كل مرة ما يصل يده ولا يستحب تجديد الغسل على الصحيح. الخامس إذا اغتسلت عن حيض أو نفاس يسن لها أن تأخذ طيبا وتجعله في قطنة أو نحوها وتدخلها فرجها والمسك أولى من غيره فإن لم تجده فطيبا آخر فإن لم تجد فطينا فإن لم تفعل فالماء كاف. السادس ماء الوضوء والغسل غير مقدر ويستحب أن لا ينقص ماء الوضوء عن مد وماء الغسل عن صاع تقريبا. قلت الأصح المد هنا رطل وثلث بالبغدادي على المذهب وقيل رطلان والصاع أربعة أمداد والله أعلم. السابع يستحب أن يستصحب النية إلى آخر الغسل وأن لا يغتسل في الماء الراكد وأن يقول بعد الفراغ أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وقد تقدم في باب صفة الوضوء سنن كثيرة تدخل هنا. قلت لا يجوز الغسل بحضرة الناس إلا مستور العورة ويجوز في الخلوة مكشوفها والستر أفضل ولو ترك المغتسل المضمضة والاستنشاق أو الوضوء قال الشافعي والأصحاب رحمهم الله فقد أساء ويستحب أن يتدارك ذلك ولا يجب ترتيب في أعضاء المغتسل لكن يستحب البداءة بأعضاء الوضوء ثم بالرأس وأعالي البدن ولو أحدث في أثناء غسله جاز أن يتمه ولا يمنع الحدث صحته لكن لا يصلي حتى يتوضأ ويجوز الغسل من إنزال المني قبل البول والأفضل بعده لئلا يخرج بعده مني ولا يجب غسل داخل العين وحكم استحبابه على ما سبق في الوضوء ولو غسل بدنه إلا شعرة أو شعرات ثم نتفها قال الماوردي إن كان الماء وصل أصلها أجزأه وإلا لزمه إيصاله إليه وفي فتاوى ابن الصباغ يجب غسل ما ظهر وهو الأصح وفي البيان وجهان أحدهما يجب والثاني لا لفوات ما يجب غسله كمن توضأ وترك رجله فقطعت والله أعلم.
وفيه ثلاثة أبواب فيما يبيحه وإنما يباح بالعجز عن استعمال الماء بتعذره أو بعسره لخوف ضرر ظاهر وأسباب العجز سبعة أحدها فقد الماء وللمسافر فيه أربعة أحوال أحدها أن يتيقن عدم الماء حوله كبعض رمال البوادي فيتيمم ولا يحتاج إلى طلب الماء على الأصح الثانية أن يجوز وجوده تجويزا بعيدا أو قريبا فيجب تقديم الطلب قطعا ويشترط في الطلب أن يكون بعد دخول وقت الصلاة وله أن يطلب بنفسه ويكفيه طلب من أذن له على الصحيح ولا يكفيه طلب من لم يأذن له قطعا والطلب أن يفتش رحله فإذا لم يجد نظر يمينا وشمالا وقداما وخلفا إن استوى موضعه ويخص مواضع الخضرة واجتماع الطير بمزيد احتياط وإن لم يستو الموضع نظر إن خاف على نفسه أو ماله لو تردد لم يجب التردد وإن لم يخف وجب التردد إلى حد يلحقه غوث الرفاق مع ما هم عليه من التشاغل بشغلهم والتفاوض في أقوالهم ويختلف ذلك باستواء الأرض واختلافها صعودا وهبوطا فإن كان معه رفقة وجب سؤالهم إلى أن يستوعبهم أو يضيق الوقت فلا يبقى إلا ما يسع تلك الصلاة في الأصح وفي وجه إلى أن يبقى ما يسع ركعة وفي وجه يستوعبهم وإن خرج الوقت. قلت قال أصحابنا ولا يجب أن يطلب من كل واحد من الرفقة بعينه بل ينادي فيهم من معه ماء من يجود بالماء ونحوه حتى قال البغوي وغيره لو قلت الرفقة لم يطلب من كل واحد بعينه ولو بعث النازلون ثقة يطلب لهم كفاهم كلهم والله أعلم. ومتى عرف معهم ماء وجب استيهابه على الأصح هذا كله إذا لم يسبق منه تيمم وطلب فإن سبق نظر إن جرى أمر يحتمل بسببه حصول ماء بأن انتقل من موضعه أو طلع ركب أو سحابة وجب الطلب أيضاً لكن كل موضع تيقن بالطلب الأول أن لا ماء فيه ولم يحتمل حدوثه فيه لم يجب الطلب منه على المذهب وإن لم يجر الأمر المذكور نظر فإن كان تيقن عدم الماء لم يجب على الأصح وإن كان ظنه وجب على الأصح لكنه أخف طلبا من الأول وسواء في هذا كله تخلل بين التيممين زمن طويل أو قصير أو لم يتخلل. الحالة الثالثة أن يتيقن وجود الماء حواليه وله ثلاث مراتب. الأولى أن يكون على مسافة ينتشر إليها النازلون للحطب والحشيش والرعي فيجب السعي إليه ولا يجوز التيمم وهذا فوق حد الغوث الذي يقصده عند التوهم قال محمد بن يحيى لعله يقرب المرتبة الثانية أن يكون بعيدا بحيث لو سعى إليه فاته فرض الوقت فيتيمم على المذهب بخلاف ما إذا كان واجدا للماء وخاف فوت الوقت لو توضأ فإنه لا يجوز التيمم على المذهب وفي التهذيب وجه شاذ أنه يتيمم ويصلي في الوقت ثم يتوضأ ويعيد وليس بشيء ثم الأشبه بكلام الأئمة أن الاعتبار في هذه المسافة من أول وقت الصلاة الحاضرة لو كان نازلا في ذلك الموضع ولا بأس باختلاف المواقيت في الطول والقصر ولا باختلاف المسافة في السهولة والصعوبة فإن كان التيمم لفائتة أو نافلة اعتبر بوقت الفريضة الحاضرة وعلى هذا لو انتهى إلى المنزل في آخر الوقت والماء في حد القرب وجب قصده والوضوء وإن فات الوقت كما لو كان الماء في رحله فإنه يتوضأ وإن فات الوقت. قلت هذ الذي ذكره الإمام الرافعي ونقله عن مقتضى كلام الأصحاب من اعتبار أول الوقت ليس كما قاله بل الظاهر من عباراتهم أن الاعتبار بوقت الطلب هذا هو المفهوم من كتبهم المشهورة والمهجورة وهو ظاهر نص الشافعي رحمه الله في الأم وغيره فإن عبارته وعبارتهم وإن دل على ماء ولم يخف فوت الوقت ولا ضررا لزمه طلبه هذا نصه ونصهم وهو صريح أو كالصريح فيما قلته وقد تتبعت ذلك وأتقنته والله أعلم. المرتبة الثالثة أن يكون بين المرتبتين فيزيد على ما ينتشر إليه النازلون ويقصر عن خروج الوقت فهل يجب قصده أم يجوز التيمم نص الشافعي رحمه الله أنه إن كان على يمين المنزل أو يساره وجب وإن كان صوب مقصده لم يجب فقيل بظاهر النصين وقيل فيهما قولان والمذهب جواز التيمم وإن علم وصوله إلى الماء في آخر الوقت وإذا جاز ذلك للسائر إلى جهة الماء فالنازل الذي عن يمينه أو يساره أولى والسائر وهو على يمينه أو يساره أولى هذا في المسافر أما المقيم فلا يجوز له التيمم وإن خاف فوت الوقت لو سعى إلى الماء لأنه لا بد له من القضاء ثم إذا قلنا في المسافر بالمذهب وهو جواز التيمم مطلقا فإن تيقن وجود الماء آخر الوقت فالأفضل تأخير الصلاة ليؤديها بالوضوء وفي التتمة وجه شاذ أن تقديمها بالتيمم أفضل لفضيلة أول الوقت وإن لم يتيقن الماء ولكن رجا فقولان أظهرهما التقديم أفضل وموضع القولين إذا اقتصر على صلاة واحدة أما إذا صلى بالتيمم أول الوقت وبالوضوء مرة أخرى آخره فهو النهاية في إحراز الفضيلة وإن ظن عدم الماء أو تساوى احتمال وجوده وعدمه فالتقديم أفضل قطعا وربما وقع في كلام بعضهم نقل القولين فيما إذا لم يظن الوجود ولا وثوق بهذا النقل. قلت قد صرح الشيخ أبو حامد وصاحب الحاوي والمحاملي وآخرون بجريان القولين فيما إذا تساوى الاحتمال والله أعلم. أما تعجيل المتوضىء وغيره الصلاة في أول الوقت منفردا وتأخيرها لانتظار الجماعة ففيه ثلاثة قلت قطع معظم العراقيين بأن التأخير للجماعة أفضل ومعظم الخراسانيين بأن التقديم منفردا أفضل وقال جماعة هو كالتيمم فإن تيقن الجماعة آخر الوقت فالتأخير أفضل وإن ظن عدمها فالتقديم أفضل وإن رجاها فقولان وينبغي أن يتوسط فيقال إن فحش التأخير فالتقديم أفضل وإن خف فالتأخير أفضل وموضع الخلاف إذا اقتصر على صلاة فأما إذا صلى أول الوقت منفردا وآخره مع الجماعة فهو النهاية في الفضيلة وقد جاء به الحديث في صحيح مسلم وغيره. قال صاحب البيان قال أصحابنا والقولان في التيمم يجريان في مريض عجز عن القيام ورجاه آخر الوقت أو رجا العريان السترة آخره هل الأفضل تقديم الصلاة على حالهما أم التأخير قال ولا يترك الترخص بالقصر في السفر وإن علم إقامته آخر الوقت بلا خلاف قال قال صاحب الفروع إن خاف فوت الجماعة لو أكمل الوضوء فإدراكها أولى من الانحباس لإكماله وفي هذا نظر والله أعلم. الحالة الرابعة أن يكون الماء حاضرا بأن يزدحم مسافرون على بئر لا يمكن أن يستقي منها إلا واحد بعد واحد لضيق الموقف أو اتحاد الآلة فإن توقع حصول نوبته قبل خروج الوقت لم يجز التيمم وإن علم أنها لا تحصل إلا بعد الوقت فنص الشافعي رحمه الله أنه يجب الصبر ليتوضأ ونص في عراة معهم ثوب واحد يتناوبونه أنه يصبر ليستر عورته ويصلي بعد الوقت ونص في جماعة في موضع ضيق لا يمكن أن يصلي فيه قائما إلا واحد أنه يصلي في الوقت قاعدا إذا علم أن نوبته لا تحصل إلا بعد الوقت وهذا يخالف النصين في المسألتين السابقتين فالأصح ما قاله أبو زيد وغيره أن في الجميع قولين أحدهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا لحرمة الوقت والثاني يصبر للقدرة والطريق الثاني تقرير النصين فيصبر للوضوء واللبس دون القيام لسهولة أمره. وقال كثيرون لا نص في مسألة البئر ونص في الأخريين على ما سبق وألحقوا الوضوء بالقيام لحصول بدلهما فقالوا يتيمم في الوقت ويصلي وأجرى إمام الحرمين والغزالي هذا الخلاف فيما إذا لاح للمسافر الماء ولا عائق دونه ولكن ضاق الوقت وعلم أنه لو اشتغل به فاته الوقت وهذا يقتضي إثبات الخلاف في المرتبة الثانية من الحالة الثالثة وقد أشرنا إليه هناك. قلت الأصح من الطريقين إجراء القولين في الجميع وأظهرهما يصلي في الوقت بالتيمم وعاريا وقاعدا ولا إعادة على المذهب في التهذيب في وجوب الإعادة قولان والله أعلم. إذا وجد الجنب أو المحدث ما لا يكفيه لطهارته وجب استعماله على الأظهر ثم يجب التيمم بعده للباقي فيغسل المحدث وجهه ثم يديه على الترتيب ويغسل الجنب من جسده ما شاء والأولى أعضاء الوضوء فإن كان محدثا جنبا ووجد ما يكفي الوضوء وحده فإن قلنا بالمذهب أنه يدخل الأصغر في الأكبر فهو كالجنب المحض وإن قلنا لا يدخل توضأ به عن الأصغر وتيمم عن الجنابة يقدم أيهما شاء هذا كله إذا صلح الموجود للغسل فإن لم يجد المحدث إلا ثلجا أو بردا لا يقدر على إذابته لم يجب استعماله على المذهب وقيل فيه القولان فإن أوجبنا تيمم عن الوجه واليدين ثم مسح به الرأس ثم تيمم للرجلين هذا كله إذا وجد ترابا فإن لم يجده وجب استعمال الناقص على المذهب وقيل فيه القولان. قلت ولو لم يجد إلا ترابا لا يكفيه للوجه واليدين وجب استعماله على المذهب وقيل فيه القولان ولو لم يجد ماء ووجد ما يشتري به بعض ما يكفيه من الماء ففي وجوبه القولان فإن لم يجد ماء ولا ترابا ففي وجوب شراء بعض ما يكفي من الماء الطريقان ولو تيمم ثم رأى ما لا يكفيه فإنه احتمل عنده أنه يكفيه بطل تيممه وإن علم بمجرد رؤيته أنه لا يكفيه فعلى القولين في استعماله إن أوجبناه بطل وإلا فلا ولو كان عليه نجاسات ووجد ما يغسل بعضها وجب على المذهب ولو كان جنبا أو محدثا أو حائضا وعلى بدنه نجاسة ووجد ما يكفي أحدهما تعين للنجاسة فيغسلها ثم يتيمم فلو تيمم ثم غسلها جاز على الأصح وبقيت لهذه المسألة فروع استقصيتها في شرحي المهذب والتنبيه والله أعلم. إذا كان معه ماء يصلح لطهارته فأتلفه بإراقة أو شرب أو تنجيس تيمم قطعا ثم إن كان الإتلاف قبل الوقت مطلقا أو بعده لغرض كشرب للحاجة أو غسل ثوب للنظافة أو تبرد أو اشتبه الإناآن واجتهد ولم يظهر له شيء فأراقهما أو صب أحدهما في الآخر فلا إعادة عليه وإن كان بعد الوقت لغير غرض فلا إعادة أيضاً على الأصح لفقده وقيل يجب لعصيانه قطعا ولو اجتاز بماء في الوقت فلم يتوضأ فلما بعد منه صلى بالتيمم لم يعد على المذهب وقيل فيه الوجهان وهو شاذ ولو وهب الماء في الوقت أو باعه من غير حاجة للمتهب والمشتري كعطش ونحوه ولا حاجة للبائع إلى ثمنه ففي صحة البيع والهبة وجهان الأصح لا يصحان فإن صح فحكمه في القضاء حكم الإراقة وإن لم يصح لم يصح تيممه ما دام الماء في يد المبتاع والموهوب له وعليه الإسترداد فإن لم يقدر وتيمم وجب القضاء وإن أتلف في يده فهو كالإراقة ثم في المقضي في الصور ثلاثة أوجه الأصح تقضى الصلاة التي فوت الماء في وقتها والثاني تقضى أغلب ما يؤديه بوضوء واحد والثالث تقضى كل صلاة صلاها بالتيمم. قلت وإذا وجب القضاء لا يصح في الوقت بالتيمم بل يؤخره إلى وجود الماء أو حالة يسقط الفرض فيها بالتيمم. قال أصحابنا وإذا قلنا لا يصح هبة هذا الماء وتلف في يد الموهوب له فلا ضمان عليه على السبب الثاني الخوف على نفسه أو ماله فإذا كان بقربه ما يخاف من قصده على نفسه أو عضوه من سبع أو عدو أو على ماله الذي معه أو المخلف في رحله من غاصب أو سارق أو كان في سفينة وخاف لو استقى من البحر فله التيمم ولو خاف من قصده الانقطاع عن رفقته تيمم إن كان عليه منه ضرر وكذا إن لم يكن ضرر على الأصح ولو وهب الماء لعادمه وجب قبوله على الصحيح ولو أعير الدلو والرشاء وجب قبوله قطعاً. وقيل إن زادت قيمة المستعار على ثمن الماء لم يجب قبوله ولو أقرض الماء وجب قبوله على الصحيح ولو وهب له أجنبي ثمن الماء أو آلة الاستقاء لم يجب قبوله وكذا لو وهبه الأب أو الابن على الصحيح ولو أقرض ثمن الماء وهو معسر لم يجب قبوله وكذا إن كان موسرا بمال غائب على الأصح ولو بيع الماء بنسيئة وهو معسر لم يجب قبوله وإن كان موسرا وجب على الصحيح. قلت وصورة المسألة أن يكون الأجل ممتدا إلى أن يصل إلى بلد ماله والله أعلم. ولو وجد ثمن الماء واحتاج إليه لدين مستغرق أو نفقة حيوان محترم معه أو لمؤنة من مؤن سفره في ذهابه وإيابه لم يجب شراؤه وإن فضل عن هذا كله وجب الشراء إن بيع بثمن المثل ويصرف إليه أي نوع كان معه من المال وإن بيع بزيادة لم يجب الشراء وإن قلت الزيادة وقيل إن كانت مما يتغابن بمثلها وجب وهو ضعيف وإن بيع نسيئة وزيد بسبب الأجل ما يليق وفي ضبط ثمن المثل أوجه الأصح أنه ثمنه في ذلك الموضع وتلك الحالة والثاني ثمن مثله في ذلك الموضع في غالب الأوقات والثالث أنه قدر أجرة نقله إلى ذلك الموضع وهو ضعيف ولم يتقدم الغزالي أحد باختياره إياه ولو بيع آلة الاستقاء أو أجرها بثمن المثل وأجرته وجب القبول فإن زاد لم يجب كذا قاله الأصحاب ولو قيل يجب التحصيل ما لم يجاوز الزيادة ثمن مثل الماء لكان حسنا ولو لم يجد إلا ثوبا وقدر على شده في الدلو ليستقي لزمه ذلك فلو لم يكن دلو وأمكن إدلاؤه في البئر ليبتل ويعصر ما يوضئه لزمه فلو لم يصل الماء وأمكن شقه وشد بعضه ببعض لزمه هذا كله إذا لم يحصل في الثوب نقص يزيد على أكثر الأمرين ثمن الماء وأجرة الحبل. السبب الثالث الحاجة إلى الماء لعطش ونحوه فيه مسائل أحدها إذا وجد ماء واحتاج إليه لعطشه أو عطش رفيقه أو حيوان محترم في الحال أو في المآل بعوض أو بغيره جاز التيمم وذكر إمام الحرمين والغزالي ترددا في التزود لعطش رفيقه والمذهب القطع بجوازه وضبط الحاجة يقاس بما سيأتي في المرض المبيح إن شاء الله تعالى وللعطشان أن يأخذه من صاحبه قهرا إذا لم يبذله وغير المحترم من الحيوان هو الحربي والمرتد والخنزير والكلب العقور وسائر الفواسق الخمس وما في معناها ولا يكلف أن يتوضأ بالماء ثم يجمعه ويشربه على المذهب قال أبو علي الزجاجي بضم الزاي والماوردي وآخرون من كان معه ماءان طاهر ونجس قلت ذكر الشاشي كلام الماوردي هذا ثم أنكره واختار أنه يشرب الطاهر ويتيمم وهذا هو الصحيح وهذا الخلاف فيما بعد دخول الوقت أما قبله فيشرب الطاهر بلا خلاف صرح به الماوردي وغيره قال المتولي ولو كان يرجو وجود الماء في غده ولا يتحققه فهل له التزود وجهان الأصح جوازه والله أعلم. المسألة الثانية قال الشافعي رحمه الله إذا مات رجل له ماء ورفقته عطاش شربوه ويمموه وأدوا ثمنه في ميراثه وصورة المسألة أنهم رجعوا إلى البلد وأراد بالثمن القيمة موضع الإتلاف ووقته وقيل أراد مثل القيمة. الثالثة إذا أوصى أو وكل بصرف ماء إلى أولى الناس به فحضر ميت وجنب وحائض ومن على بدنه نجاسة ومحدث فالميت وصاحب النجاسة أولاهم والميت أولاهما على الأصح فلو كان على الميت أيضاً نجاسة فهو أولى قطعا ولا يشترط لاستحقاق الميت قبول وارث كما لو تطوع انسان بكفنه وفيه وجه شاذ أنه يشترط ولو مات اثنان أحدهما قبل الآخر وكان قبل موتهما ماء يكفي أحدهما فالأول أولى فإن ماتا معا أو وجد الماء بعد موتهما فأفضلهما أولى فإن استويا أقرع بينهما أما إذا اجتمع الجنب والحائض فثلاثة أوجه الأصح الحائض أولى والثاني الجنب والثالث سواء فعلى هذا إن طلب أحدهما القسمة والآخر القرعة فإن لم نوجب استعمال الناقص أقرع وإن أوجبناه أقرع على الأصح وعلى الثاني يقسم وإن اتفقا على القسمة جاز إن أوجبنا استعمال الناقص وإلا فلا ولو اجتمع جنب ومحدث فإن كان الماء يكفي للوضوء دون الغسل فالمحدث أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فأوجه الأصح المحدث أولى والثاني الجنب والثالث سواء وإن لم يكف واحدا منهما فالجنب أولى إن أوجبنا استعماله وإلا فهو كالمعدوم وإن كفى وفضل عن الوضوء شيء دون الغسل فالجنب أولى إن لم نوجب استعمال الناقص وإن أوجبناه فعلى الأوجه الثلاثة أصحها الجنب أولى وإن فضل عن كل واحد أو لم يفضل عن واحد أو كفى الجنب دون المحدث فالجنب أولى قطعاً. ولو انتهى هؤلاء المحتاجون إلى ماء مباح واستووا في إحرازه وإثبات اليد عليه ملكوه بالسوية ولا يجوز لأحد أن يبذل نصيبه لغيره وإن كان أحوج منه وإن كان ناقصا إلا إذا قلنا لا يجب استعمال الناقص كذا قاله إمام الحرمين والغزالي وقال أكثر الأصحاب إن المستحب تقديم الأحوج فالأحوج كالوصية ولا منافاة بين الكلامين وأراد الأصحاب أن المستحب تقديم الأحوج وأنهم لو تنازعوا كان كما قاله إمام الحرمين ويمكن أن ينازعهم في الاستحباب ويقول لا يجوز العدول عن ماء يتمكن منه للطهارة. السبب الرابع العجز بسبب الجهل هذا قد جعله الغزالي سببا ولقائل أن يقول ليس هو سببا فإن السبب هو ظن العدم وذلك موجود وأما قضاء الصلاة فأمر آخر واللائق ذكره في آخر سبب الفقد أو فيما يقضى من الصلوات. قلت بل له هنا وجه ظاهر فإن من جملة صوره إذا أضل راحلته أو ماءه فهذا من وجه كالواجد فيتوهم أنه لا يجوز له التيمم ومن وجه عادم فلهذا ذكره الغزالي في الأسباب المبيحة للاقدام على التيمم والله أعلم. وفيه مسائل: الأولى لو نسي الماء في رحله أو علم موضع نزوله بئرا فنسيها وصلى بالتيمم فطريقان أحدهما تجب الإعادة قطعا وأصحهما على القولين الجديد المشهور وجوبها كنسيان عضو الطهارة وساتر العورة ولو نسي ثمن الماء فكنسيان الماء وقيل يحتمل غيره. الثانية لو أدرج في رحله ماء لم يعلم به فتيمم وصلى ثم علم أو تيمم ثم علم بقربه بئرا لم يكن علمها فطريقان أحدهما لا إعادة وأصحهما على قولين أظهرهما لا إعادة. الثالثة لو أضل الماء في رحله وصلى بالتيمم إن لم يمعن في الطلب وجبت الإعادة وإن أمعن حتى ظن العدم وجبت أيضاً على الأظهر وقيل الأصح. الرابعة أضل رحله في الرحال إن لم يمعن في الطلب أعاد وإن أمعن فالمذهب أنه لا إعادة السبب الخامس المرض وهو ثلاثة أقسام. الأول ما يخاف معه من الوضوء فوت الروح أو فوت عضو أو منفعة عضو فبيح التيمم ولو خاف مرضا مخوفا تيمم على المذهب. الثاني أن يخاف زيادة العلة وهو كثرة ألم وإن لم تزد المدة أو يخاف بطء البرء وهو طول مدة المرض وإن لم يزد الألم أو يخاف شدة الضنا وهو المرض المدنف الذي يجعله زمنا أو يخاف حصول شين قبيح كالسواد على عضو ظاهر كالوجه وغيره مما يبدو في حال المهنة ففي الجميع ثلاث طرق أصحها في المسألة قولان أظهرهما جواز التيمم والثاني لا يجوز قطعاً. والثالث يجوز قطعا الثالث أن يخاف شيئا يسيرا كأثر الجدري وسواد قليل أو شينا قبيحا على غير الأعضاء الظاهرة أو يكون به مرض لا يخاف من استعمال الماء معه محذورا في العاقبة وإن كان يتألم في الحال بجراحة أو برد أو حر فلا يجوز التيمم لشيء من هذا بلا خلاف. فرع يجوز أن يعتمد في كون المرض مرخصا على معرفة نفسه إن كان عارفا ويجوز اعتماد طبيب حاذق بشرط الاسلام والبلوغ والعدالة ويعتمد العبد والمرأة ولنا وجه شاذ أنه يعتمد الصبي فرع إذا عمت العلة أعضاء الطهارة اقتصر على التيمم وإن كانت في البعض غسل الصحيح وفي العليل كلام مذكور في الجريح. قلت وإذا لم يوجد طبيب بشرطه قال أبو علي السبخي لا يتيمم ولا فرق في هذا السبب بين الحاضر والمسافر والحدث الأصغر والأكبر ولا إعادة فيه والله أعلم. السبب السادس إلقاء الجبيرة وهي تكون لكسر أو انخلاع وتارة يحتاج إلى الجبيرة على الكسر أو الانخلاع وتارة لا يحتاج ويعتبر في الحاجة ما تقدم في المرض. فالحالة الأولى إذا احتاج ووضع الجبيرة فإما أن يقدر على نزعها عند الطهارة من غير ضرر من الأمور المتقدمة في المرض وإما أن لا يقدر فإن لم يقدر لم يكلف النزع ويراعي في طهارته أمورا . الأول غسل الصحيح وهو واجب على المذهب وقيل قولان فعلى المذهب يجب غسل ما يمكن حتى ما تحت أطراف الجبيرة من الصحيح بأن يضع خرقة مبلولة عليها ويعصرها لتغسل تلك المواضع بالمتقاطر. الثاني مسح الجبيرة بالماء وهو واجب على الصحيح المشهور وحكي قول ووجه أنه لا يجب بل يكفي الغسل مع التيمم فعلى الصحيح إن كان جنبا مسح متى شاء وإن كان محدثا مسح إذا وصل إلى غسل العضو الذي عليه الجبيرة ويجب استيعاب الجبيرة بالمسح على الأصح كالوجه في التيمم. وعلى الثاني يكفي ما يقع عليه الاسم كمسح الرأس والخف ولا تتقدر مدة المسح على الصحيح وعلى الثاني تتقدر ثلاثة أيام للمسافر وبيوم وليلة للحاضر والخلاف فيما إذا تأتى النزع بعد المدة المقدرة بلا ضرر فإن حصل ضرر لم يجب قطعا وإن تأتى في كل طهارة وجب النزع قطعاً. الثالث التيمم في الوجه واليدين ففيه طريقان أصحهما على قولين أظهرهما يجب والثاني لا والطريق الثاني إن كان ما تحت الجبيرة عليلا بحيث لا يجب غسله لو ظهر لم يجب التيمم وإلا وجب وإذا وجب فلو كانت الجبيرة على موضع التيمم لم يجب مسحها بالتراب على الأصح ثم إن كان جنبا فالأصح أنه مخير إن شاء قدم غسل الصحيح على التيمم وإن شاء أخره وعلى الثاني يتعين تقديم الغسل وإن كان محدثا فثلاثة أوجه هذان الوجهان في الجنب والثالث وهو الأصح أنه لا ينتقل من عضو حتى يتم طهارته فعلى هذا إن كانت الجبيرة على الوجه وجب تقديم التيمم على غسل اليدين فإن شاء غسل صحيح الوجه ثم تيمم عن عليله وإن شاء عكس وإن كانت على اليدين وجب تقديم التيمم على مسح الرأس وتأخيره عن غسل الوجه ولو كان على عضوين أو ثلاثة جبائر تعدد التيمم فإن كانت على الوجه جبيرة وعلى اليد جبيرة غسل صحيح الوجه وتيمم عن عليله ثم اليد كذلك وعلى الوجه الأول والثاني يكفي تيمم واحد وإن تعددت الجبائر. قلت ولو عمت الجراحات أعضاءه الأربعة قال القاضي أبو الطيب والأصحاب يكفيه تيمم واحد عن الجميع لأنه سقط الترتيب لسقوط الغسل قالوا ولو عمت الرأس ولم تعم الأعضاء الثلاثة وجب غسل صحيح الأعضاء وأربع تيممات على ما ذكرنا قال صاحب البحر فإذا تيمم في هذه الصورة أربع تيممات وصلى ثم حضرت فريضة أخرى أعاد التيممات الأربعة فلا يلزمه غسل صحيح الوجه ويعيد ما بعده وهذا الذي ذكره في الغسل فيه خلاف سيأتي قريبا إن شاء الله تعالى. قال صاحب البيان وإذا كانت الجراحة في يديه استحب أن تجعل كل يد كعضو فيغسل وجهه ثم صحيح اليمنى وتيمم عن جريحها ثم يطهر اليسرى غسلا وتيمما وكذا الرجلان وهذا حسن لأن تقديم اليمنى سنة فاذا اقتصر على تيمم فقد طهرهما دفعة والله أعلم. ثم ما ذكرناه الأمور الثلاثة إنما يكفي بشرطين أحدهما أن لا يأخذ تحت الجبيرة من الصحيح إلا ما لا بد منه للاستمساك والثاني أن يضعها على طهر وفي وجه لا يشترط الوضع على طهر والصحيح اشتراطه فيجب النزع واستئناف الوضع على طهر إن أمكن وإلا فيترك ويجب القضاء بعد البرء على المذهب بخلاف الوضع على طهر على الأظهر هذا كله إذا لم يقدر على نزع الجبيرة عند الطهر فإن قدر بلا ضرر وجب النزع وغسل الصحيح إن أمكن ومسحه بالتيمم إن كان في موضع التيمم ولم يمكن غسله. الحالة الثانية أن لا يحتاج إلى الجبيرة ويخاف من إيصال الماء فيغسل الصحيح بقدر الإمكان ويتلطف بوضع خرقة مبلولة ويتحامل عليها ليغسل بالمتقاطر باقي الصحيح ويلزمه ذلك بنفسه أو بأجرة كالأقطع وفي افتقاره إلى التيمم الخلاف السابق في الحالة الأولى ولا يجب مسح موضع العلة بالماء وإن كان لا يخاف منه كذا قاله الأصحاب و للشافعي رضي الله عنه نص سياقه يقتضي الوجوب وإذا أوجبنا التيمم والعلة في محل التيمم أمر التراب عليه وكذا لو كان للجراحة أفواه منفتحة وأمكن إمرار التراب عليها وجب. قلت هذا الذي ذكره الرافعي من ثبوت خلاف في وجوب التيمم غلط ولم أره لأحد من أصحابنا فكأنه اشتبه عليه فالصواب الجزم بوجوب التيمم في هذه الصورة لئلا يبقى موضع السبب السابع الجراحة اعلم أن الجراحة قد تحتاج إلى لصوق من خرقة وقطنة ونحوهما فيكون لها حكم الجبيرة في كل ما سبق وقد لا تحتاج فيجب غسل الصحيح والتيمم عن الجريح ولا يجب مسح الجريح بالماء ولا يجب وضع اللصوق أو الجبيرة عليه ليمسح عليها على الصحيح وقول الجمهور وأوجبه الشيخ أبو محمد ويقرب منه من هو متطهر وأرهقه حدث ومعه ماء يكفيه لما عدا رجليه ومعه خف فالصحيح الذي عليه الأصحاب أنه لا يلزمه لبس الخف وفيه احتمال لإمام الحرمين. فرع إذا غسل الصحيح وتيمم لمرض أو كسر أو جرح مع المسح أو دونه إذا لم يكن وصلى فريضة بطهارته فله أن يصلي بها ما شاء من النوافل ولا بد من إعادة التيمم للفريضة الأخرى وهل يجب إعادة الوضوء إن كان محدثا أو الغسل إن كان جنبا فيه طريقان أصحهما لا يجب والثاني على قولين فإن قلنا بالأصح فليس على الجنب غير التيمم إلى أن يحدث وفي المحدث وجهان أحدهما كالجنب وأصحهما يجب أن يعيد مع التيمم كل عضو يجب ترتيبه على العضو المجروح. قلت بل الأصح عند المحققين أنه كالجنب قال البغوي وغيره وإذا كان جنبا والجراحة في غير أعضاء الوضوء فغسل الصحيح وتيمم للجريح ثم أحدث قبل أن يصلي فريضة لزمه الوضوء ولا يلزمه التيمم لأن تيممه عن غير أعضاء الوضوء فلا يؤثر فيه الحدث ولو صلى فريضة ثم أحدث توضأ للنافلة ولا يتيمم وكذا حكم الفرائض كلها والله أعلم. ولو تطهر العليل كما ذكرنا فبرأ وهو على طهارته غسل موضع العذر جنبا كان أو محدثا ويغسل المحدث ما بعد العليل بلا خلاف وفي استئنافهما الوضوء والغسل القولان في نازع الخف ولو تحقق البرء بعد الطهارة بطل تيممه ووجب غسل الموضع وحكم الاستئناف ما ذكرنا ولو توهم الاندمال فرفع اللصوق فرآه لم يندمل لم يبطل تيممه على الأصح بخلاف توهم وجود الماء فإنه يبطل التيمم لأن توهم الماء يوجب طلبه وتوهم الاندمال لا يوجب البحث عنه كذا قاله الأصحاب وتوقف إمام الحرمين في قولهم لا يجب البحث.
له سبعة أركان الركن الأول التراب وشرطه أن يكون طاهرا خالصا غير مستعمل فالتراب متعين ويدخل فيه جميع أنواعه من الأحمر والأسود والأصفر والأغبر وطين الدواة وطين الأرمني الذي يؤكل تداويا وسفها والبطحاء وهو التراب الذي في مسيل الماء والسبخ الذي لا ينبت دون الذي يعلوه ملح ولو ضرب يده على ثوب أو جدار ونحوهما وارتفع غبار كفى والتراب الذي أخرجته الأرضة من مدر يجوز التيمم به كالتراب المعجون بالخل إذا جف يجوز التيمم به ولا يصح التيمم بالنورة والجص والزرنيخ وسائر المعادن والذريرة والأحجار المدقوقة والقوارير المسحوقة وشبهها وقيل يجوز في وجه بجميع ذلك وهو غلط ولو أحرق التراب حتى صار رمادا أو سحق الخزف فصار ناعما لم يجز التيمم به ولو شوى الطين وسحقه ففي التيمم به وجهان وكذا لو أصاب التراب نار فاسود ولم يحترق فعلى الوجهين. قلت الأصح في الأولى الجواز والصحيح في هذه الصورة القطع بالجواز والله أعلم. وأما الرمل فالمذهب أنه إن كان خشنا لا يرتفع منه غبار لم يكف ضرب اليد عليه وإن ارتفع كفى وقيل قولان مطلقا وأما كونه طاهرا فلا بد منه فلا يصح بنجس مطلقا فإن كان على ظهر كلب تراب فإن علم التصاقه برطوبة عليه من ماء أو عرق أو غيره لم يجز التيمم به وإن علم انتفاء ذلك جاز وإن لم يعلم واحد منهما فعلى القولين في اجتماع الأصل والظاهر. قلت كذا قاله جماعة من أصحابنا فيما إذا لم يعلم أنه على القولين وهو مشكل وينبغي أن يقطع بجواز التيمم عملا بالأصل وليس هنا ظاهر يعارضه والله أعلم. وأما كونه خالصا فيخرج منه المشوب بزعفران ودقيق ونحوهما وإن كثر المخالط لم يجز بلا خلاف وكذا إن قل على الصحيح قال إمام الحرمين الكثير ما يظهر في التراب والقليل ما لا يظهر ولم أر لغيره فيه ضبطا ولو اعتبرت الأوصاف الثلاثة كما في الماء لكان مسلكا وأما كونه غير مستعمل فلا بد منه على الصحيح والمستعمل ما لصق بالعضو وكذا ما تناثر عنه على الأصح. الركن الثاني قصد التراب فلا بد منه فلو وقف في مهب ريح فسفت عليه ترابا فأمر يده عليه بنية التيمم إن كان وقف بغير نية لم يجزئه وإن قصد تحصيل التراب لم يجزئه أيضاً على الأصح أو الأظهر ولو يممه غيره إن كان بغير إذنه فكالوقوف في مهب الريح وإن كان بإذنه لعذر كقطع وغيره جاز وإن كان بغير عذر جاز أيضاً على الصحيح. الركن الثالث نقل التراب الممسوح به إلى العضو فإن كان على الوجه تراب فردده عليه لم يجزئه وإن نقله منه إلى اليد أو من اليد إليه أو أخذه من الوجه ثم رده إليه أو سفت الريح ترابا على كمه فمسح به وجهه أو أخذ التراب من الهواء بإثارة الريح جاز في كل ذلك على الأصح وإن نقله من عضو غير أعضاء التيمم إليها جاز بلا خلاف وإن تمعك في التراب لعذر جاز وكذا لغير عذر على الأصح الركن الرابع النية فلا بد منها فإن نوى رفع الحدث أو نوى الجنب رفع الجنابة لم يصح تيممه على الصحيح وإن نوى استباحة الصلاة فله أربعة أحوال. أحدها أن ينوي استباحة الفرض والنفل معا فيستبيحهما وله التنفل قبل الفريضة وبعدها في الوقت وبعده وفي وجه ضعيف لا يتنفل بعد الوقت إن كانت الفريضة معينة ولا يشترط تعيين الفريضة على الأصح فعلى هذا لو نوى الفرض مطلقا صلى أية فريضة شاء ولو نوى معينة فله أن يصلي غيرها. الحال الثاني أن ينوي الفريضة سواء كانت إحدى الخمس أو منذورة ولا تخطر له النافلة فتباح الفريضة وكذا النافلة قبلها على الأظهر وبعدها على المذهب في الوقت وكذا بعده على الأصح ولو تيمم لفائتتين أو منذورتين استباح إحداهما على الأصح وعلى الثاني لا يستبيح شيئا ولو تيمم لفائتة فلم يكن عليه شيء أو لفائتة الظهر فكانت العصر لم تصح. قلت فلو ظن عليه فائتة ولم يجزم بها فتيمم لها ثم ذكرها قال المتولي والبغوي والروياني لا يصح وصححه الشاشي وهو ضعيف والله أعلم. الحال الثالث أن ينوي النفل فلا يستبيح به الفرض على المشهور وقيل قطعا فإن أبحناه فالنفل أولى وإلا استباح النفل على الصحيح ولو نوى مس المصحف أو سجود التلاوة أو الشكر أو نوى الجنب الاعتكاف أو قراءة القرآن فهو كنية النفل فلا يستبيح الفرض على المذهب ويستبيح ما نوى على الصحيح وعلى الآخر يستبيح الجميع ولو تيمم لصلاة الجنازة فهو كنية النفل على الأصح ولو تيممت منقطعة الحيض لاستباحة الوطء صح على الأصح ويكون كالتيمم للنافلة. الحال الرابع أن ينوي الصلاة فحسب فله حكم التيمم للنفل على الأصح وعلى الثاني هو كمن نوى النفل والفرض معا أما إذا نوى فرض التيمم أو إقامة التيمم المفروض فلا يصح على الأصح . قلت ولو نوى التيمم وحده لم يصح قطعا ذكره الماوردي ولو تيمم بنية استباحة الصلاة ظانا أن حدثه أصغر فكان أكبر أو عكسه صح قطعا لأن موجبهما واحد ولو تعمد ذلك لم يصح في الأصح ذكره المتولي ولو أجنب في سفره ونسي وكان يتيمم وقتا ويتوضأ وقتا أعاد صلوات الوضوء فقط لما ذكرنا. واعلم أنه لا يجوز أن تتأخر النية عن أول فعل مفروض في التيمم وأول أفعاله المفروضة نقل التراب ولو قارنته وعزبت قبل مسح شيء من الوجه لم يجزئه على الأصح ولو تقدمت على أول فعل مفروض فهو كمثله في الوضوء. الركن الخامس مسح الوجه ويجب استيعابه ولا يجب إيصال التراب إلى منابت الشعور التي يجب إيصال الماء إليها في الوضوء على المذهب ويجب إيصاله إلى ظاهر ما استرسل من اللحية الركن السادس مسح اليدين ويجب استيعابهما إلى المرفقين على المذهب وقيل قولان أظهرهما هذا والقديم يمسحهما إلى الكوعين. واعلم أنه تكرر لفظ الضربتين في الأخبار فجرت طائفة من الأصحاب على الظاهر فقالوا لا يجوز النقص من ضربتين ويجوز الزيادة والأصح ما قاله آخرون أن الواجب إيصال التراب سواء حصل بضربة أو أكثر لكن يستحب أن لا يزيد على ضربتين ولا ينقص وقيل يستحب ثلاث ضربات ضربة للوجه وضربتان لليدين وهو ضعيف. قلت الأصح وجوب الضربتين نص عليه وقطع به العراقيون وجماعة من الخراسانيين وصورة الاقتصار على ضربة بخرقة ونحوها والله أعلم. وصورة الضرب ليست متعينة فلو وضع اليد على تراب ناعم وعلق بها غبار كفى ويستحب أن يبدأ بأعلى الوجه وأما اليدان فيضع أصابع اليسرى سوى الإبهام على ظهور أصابع اليمنى سوى الإبهام بحيث لا تخرج أنامل اليمنى عن مسبحة اليسرى ويمرها على ظهر كفه اليمنى فإذا بلغت الكوع ضم أطراف أصابعه إلى حرف الذراع ويمرها إلى المرفق ثم يدير كفه إلى بطن الذراع فيمرها عليه وإبهامه مرفوعة فإذا بلغ الكوع مسح ببطن إبهام اليسرى ظهر إبهام اليمنى ثم يضع أصابع اليمنى على اليسرى فيمسحها كذلك وهذه الكيفية ليست واجبة لكنها مستحبة على المذهب وقيل غير مستحبة وأما تفريق الأصابع فيفعله في الضربة الثانية وأما الأولى فالأصح وظاهر المذهب والذي نص عليه الشافعي وقاله الأكثرون أنه يستحب التفريق فيها وقال آخرون لا يستحب ثم قال الأكثرون من هؤلاء هو جائز حتى لو لم يفرق في الثانية كفاه التفريق في الأولى بين الأصابع وقال قليلون منهم القفال لا يجوز ولو فعله لم يصح تيممه ثم إذا فرق في الضربتين وجوزناه أو في الثانية وحدها يستحب تخليل الأصابع بعد مسح اليدين على الهيئة المذكورة ولو لم يفرق فيهما وفرق في الأولى وحدها وجب التخليل ثم يمسح إحدى الراحتين بالأخرى وهو مستحب على الأصح وواجب على الآخر والواجب إيصال التراب إلى الوجه واليدين كيف كان سواء حصل بيد أو خرقة أو خشبة ولا يشترط إمرار اليد على العضو على الأصح ولو كان يمسح بيده فرفعها في أثناء العضو ثم ردها جاز ولا يفتقر إلى أخذ تراب جديد في الأصح. الركن السابع الترتيب فيجب تقديم الوجه على اليدين فلو تركه ناسيا لم يصح على المذهب كما في الوضوء ولا يشترط الترتيب في أخذ التراب للعضوين على الأصح فلو ضرب يديه على الأرض وأمكنه مسح الوجه بيمينه ويمينه بيساره جاز. لو أحدث بعد أخذ التراب قبل مسح وجهه بطل أخذه وعليه ثانية ولو يممه غيره حيث يجوز فأحدث أحدهما بعد أخذ التراب قبل المسح قال القاضي حسين لا يضر وينبغي أن يبطل الأخذ بحدث الآمر ولو ضرب يده على بشرة امرأة ينقض وعليها تراب فإن كان كثيرا يمنع التقاء البشرتين صح تيممه وإن لم يمنع لم يصح وقيل يصح أخذه للوجه فإن ضرب بعده لليد بطل والصواب الأول. فرع للتيمم سنن سبق بعضها في كيفية مسح الوجه واليدين وبقي منها التسمية وتقديم اليمنى على اليسرى وإمرار التراب على العضد على الأصح والموالاة على المذهب وتخفيف التراب المأخوذ إذا كان كثيرا وأن لا يكرر المسح على المذهب وأن لا يرفع اليد عن العضو الممسوح حتى يتم مسحه على الأصح وعلى الثاني هو واجب وقد سبق وأن ينزع خاتمه في الضربة الأولى. قلت وأما الضربة الثانية فيجب نزعه فيها ولا يكفي تحريكه بخلاف الوضوء لأن التراب لا يدخل تحته ذكره صاحب العدة وغيره ومن مندوباته استقبال القبلة وينبغي استحباب الشهادتين بعده كالوضوء والغسل ولو كانت يده نجسة وضرب بها على تراب ومسح وجهه جاز في الأصح ولا يجوز مسح النجسة قطعا كما لا يصح غسلها عن الوضوء مع بقاء النجاسة ولو تيمم ثم وقع عليه نجاسة لم يبطل على المذهب وبه قطع الإمام وقال المتولي هو كردة المتيمم ولو تيمم قبل الاجتهاد في القبلة ففي صحته وجهان حكاهما الروياني كما لو كان عليه نجاسة والله أعلم.
هي ثلاثة: الحكم الأول أنه يبطل بما يبطل به الوضوء ثم هو قسمان أحدهما يجوز مع وجود الماء كتيمم المريض والثاني لا يجوز إلا مع عدمه أو الخوف في تحصيله أو الحاجة إليه وما أشبه هذا فالأول لا تؤثر فيه رؤية الماء وأما الثاني فيبطل بتوهم القدرة على الماء قبل الدخول في الصلاة كما إذا رأى سرابا فتوهمه ماء أو أطبقت بقربه غمامة أو طلع عليه جماعة يجوز أن يكون معهم ماء هذا إذا لم يقارن التوهم مانع من القدرة فإن قارنه لم يبطل تيممه كما إذا رأى ما يحتاج إليه للعطش أو دونه حائل من سبع أو عدو أو قعر بئر يعلم حال رؤيته تعذر تحصيله أو سمع انسانا يقول أودعني فلان ماء وهو يعلم غيبة فلان وما أشبه هذا أما إذا رأى الماء في الصلاة فإن لم تكن مغنية عن القضاء كصلاة الحاضر بالتيمم بطلت على الصحيح وعلى الثاني يتمها ويعيد وإن كانت مغنية كصلاة المسافر فالمذهب المنصوص أنه لا تبطل صلاته ولا تيممه فلو نوى في أثناء الصلاة الإقامة بعد وجدان الماء أو نوى القصر ثم وجد الماء ثم نوى الإئتمام بطلت صلاته على الأصح فيهما وحيث لم تبطل وكانت فريضة هل يجوز الخروج منها ليتوضأ فيه أوجه أصحها الخروج أفضل والثاني يجوز الخروج لكن الاستمرار أفضل والثالث إن قلبها نفلا وسلم من ركعتين فهو أفضل وإن أراد إبطالها مطلقا فالاستمرار أفضل والرابع يحرم قطعها مطلقا والخامس إن ضاق الوقت حرم الخروج وإلا لم يحرم قاله إمام الحرمين وطرده في كل مصل سواء المتيمم وغيره. قلت هذا الذي حكاه إمام الحرمين اختيار له لم يتقدمه به أحد واعترف إمام الحرمين بهذا وهو خلاف المذهب وخلاف نص الشافعي رحمه الله فقد نص في الأم ونقله صاحب التتمة والغزالي في البسيط عن الأصحاب أنه يحرم على من تلبس بالفريضة في أول وقتها قطعها بغير عذر وقد أوضحت نقله ودلائله في شرح المهذب والله أعلم. وإذا أتم الفريضة بالتيمم وبقي الماء الذي رآه إلى أن سلم بطل تيممه فلا يستبيح به نافلة حتى حكى الروياني عن والده أنه لا يسلم التسليمة الثانية. وأما إذا فني الماء قبل سلامه ولم يعلم حتى يستبيح النافلة أيضاً وإن علم بفنائه قبل سلامه ففي بطلان تيممه ومنعه النافلة وجهان. قلت الأصح منعه النافلة وبه قطع العراقيون وجماعة من الخراسانيين والله أعلم. أما إذا رأى الماء وهو في نافلة فأوجه أصحها إن كان نوى عددا أتمه ولم يزد وإلا اقتصر على ركعتين والثاني لا يزيد على ركعتين وإن نواه والثالث له أن يزيد ما شاء وإن لم ينوه والرابع تبطل صلاته. الحكم الثاني فيما يؤدى بالتيمم لا يصلي بالتيمم الواحد إلا فريضة واحدة وسواء كانت الفريضتان متفقتين أو مختلفتين كصلاتين وطوافين أو صلاة وطواف أو مقضيتين كظهرين أو مكتوبة ومنذورة أو منذورتين فلا يجوز الجمع بينهما بتيمم وفي قول أو وجه ضعيف يجوز في منذورتين وفي منذورة ومكتوبة وفي وجه شاذ يجوز في فوائت وفائتة ومؤداة والصبي كالبالغ على المذهب وقيل وجهان الثاني يجمع بين مكتوبتين بتيمم ويجوز أن يجمع بتيمم بين فريضة ونوافل وأما ركعتا الطواف فإن قلنا بالأصح إنهما سنة فلهما حكم النوافل وإن قلنا واجبتان لم يجز أن يجمع بينهما وبين الطواف الواجب على الأصح وكذا لا يجمع بين خطبة الجمعة وصلاتها على الأصح إذا شرطنا الطهارة في الخطبة وأما صلاة الجنازة ففيها ثلاثة طرق أحدها في المسألة قولان أحدهما لها حكم النافلة مطلقا فيجوز الجمع بين صلوات الجنائز وبين جنائز ومكتوبة بتيمم واحد ويجوز صلاتها قاعدا مع القدرة على القيام ويجوز على الراحلة والثاني لها حكم الفرائض فلا يجوز شيء من هذا والطريق الثاني إن تعينت فكالفرائض وإلا فكالنوافل والثالث لها حكم النوافل مطلقا إلا أنه لا يجوز القعود فيها والمذهب أنه يجوز الجمع بتيمم بكل حال ولو صلى على جنازتين صلاة واحدة فقيل يجوز قطعا وقيل على الخلاف. فرع إذا نسي صلاة من صلوات نظر إن كانت متفقة كظهر من ظهر واحدة بتيمم وإن نسي صلاة من الخمس لزمه الخمس وكفاه تيمم واحد للجميع على الصحيح وعلى الثاني يجب خمسة تيممات ثم قال الشيخ أبو علي الخلاف تفريع على أن تعيين الفريضة التي تيمم لها غير واجب فإن أوجبناه لزمه خمس تيممات قطعا ويحتمل خلاف ما قال أبو علي قلت هذا المحكي عن أبي علي قد حكاه الدارمي عن ابن المرزبان واختار الدارمي طرد الخلاف وإن أوجبنا التعيين وهذا أصح والله أعلم. ولو نسي صلاتين مختلفتين من الخمس لزمه الخمس فإن قلنا في الواحدة يلزمه خمس تيممات فكذا ها هنا وإن قلنا يكفيه تيمم واحد فقال ابن القاص يتيمم لكل واحدة ويقتصر على الخمس وقال ابن الحداد يقتصر على تيممين ويزيد في الصلوات فيصلي بالأول الصبح والظهر والعصر والمغرب وبالثاني الظهر والعصر والمغرب والعشاء قال الأكثرون وهو مخير إن شاء عمل بقول ابن القاص وإن شاء عمل بقول ابن الحداد فظاهر كلام ابن القاص في التلخيص أنه لا يجوز ما ذكره ابن الحداد وحكي وجه أنه يتيمم تيممين ويصلي بكل واحد الخمس وهو شاذ والمستحسن عند الأصحاب طريقة ابن الحداد وعليها يفرعون ما زاد من المنسي ولها ضابط وشرط فضابطها أن تزيد على قدر المنسي فيه عددا لا ينقص عما تبقى من المنسي فيه بعد إسقاط المنسي وينقسم المجموع صحيحا على المنسي. مثاله: مسألتنا المنسي صلاتان والمنسي فيه خمس تزيده ثلاثة لأنها لا تنقص عما يبقى من الخمس بعد إسقاط الاثنين بل تساويه والمجموع وهو ثمانية ينقسم على الاثنين صحيحا ولو صلى عشرا كما قاله الوجه الشاذ أجزأه وكان قد زاد خيرا لدخوله في الضابط. وأما شرطها فأن يبتدىء من المنسي فيه بأية صلاة شاء ويصلي بكل تيمم ما تقتضيه القسمة ويترك في كل مرة ما ابتدأ به في التي قبلها ويأتي في المرة الأخيرة بما بقي من الصلوات ولو نسي ثلاث صلوات من يوم وليلة فعلى طريقة ابن القاص يصلي كل واحدة من الخمس بتيمم وعلى الوجه الشاذ يتيمم ثلاث مرات يصلي بكل واحد الخمس وعلى طريقة ابن الحداد يقتصر على ثلاث تيممات ويصلي بالأول الصبح والظهر والعصر وبالثاني الظهر والعصر والمغرب وبالثالث العصر والمغرب والعشاء وله مخالفة هذا الترتيب إذا وفى بالشرط. أما إذا نسي صلاتين متفقتين فعليه أن يصلي كل واحدة من الخمس مرتين فعلى الوجه الضعيف في أول المسألة يجب لكل صلاة تيمم فيتيمم عشر تيممات وعلى الصحيح يكفيه تيممان يصلي بكل واحد الخمس ولا يكتفي بثمان صلوات لاحتمال كون المنسيين صبحين أو عشاءين وما صلاهما إلا مرة مرة أما إذا لم يعلم هل الفائتتان مختلفتان أم متفقتان فيلزمه الأحوط وهو أنهما متفقتان إما إذا ترك صلاة مفروضة أو طوافا مفروضا واشتبه عليه فيأتي بطواف وبالصلوات الخمس بتيمم واحد على الصحيح وعلى الضعيف بست تيممات ولو صلى منفردا بتيمم ثم أراد إعادتها مع جماعة بذلك التيمم جاز إن قلنا الثانية سنة وكذا إن قلنا إن الفرض إحداهما لا بعينها على الصحيح كالمنسية ولو صلى الفرض بالتيمم على وجه يجب معه القضاء وأراد القضاء بذلك التيمم فإن قلنا الفرض الأول جاز وإن قلنا الثاني أو كلاهما فرض لم يجز وإن قلنا أحدهما لا بعينه جاز على الصحيح.
|